بقلم بيان نخلة، الرئيس التنفيذي للعمليات ونائب الرئيس التنفيذي، تعيين
التغيير كبيئة لا كمرحلة
لم يعد التغيير خيارًا جانبيًا أو مبادرة يمكن تأجيلها، بل أصبح البيئة التي تنمو فيها المؤسسات وتُقاس بها قدرتها على الصمود. في مشهد يتسم بتسارع غير مسبوق في التكنولوجيا، وتغيرات في تطلعات القوى العاملة، وتوجهات وطنية طموحة، تجد المؤسسات نفسها أمام ضرورة التكيف أو التراجع.
في تعيين، ندرك أن التغيير الحقيقي لا يقاس بإنهاء مشروع أو استكمال قائمة مهام، بل بمدى قدرة الأفراد على استيعاب القصة الأكبر التي تعيشها مؤسساتهم والانخراط فيها بروح من الثقة والالتزام. فالتغيير الناجح ليس مجرد انتقال من حالة إلى أخرى، بل هو رحلة مستمرة تعيد صياغة الهوية المؤسسية، وتمنحها القدرة على قيادة المستقبل.
جوهر إدارة التغيير
إدارة التغيير ليست ممارسة إدارية بحتة، بل هي في جوهرها عملية إنسانية عميقة. هي تجربة يمر بها الأفراد والجماعات، تتطلب نموًا شخصيًا ومؤسسيًا متوازيًا. لا يمكن اختزالها في أنظمة مطبقة أو توجيهات إدارية، لأنها في حقيقتها تتعلق ببناء قناعة داخلية، وتوليد شعور حقيقي بالمسؤولية، وترسيخ الثقة عبر جميع المستويات.
الخطأ الشائع الذي تقع فيه كثير من المؤسسات هو النظر إلى التغيير كمشروع مؤقت ذي بداية ونهاية. لكن الواقع يُثبت أن التحول المستدام هو عقلية طويلة المدى وليست مرحلة زمنية محددة. هو أسلوب تفكير ينعكس في القرارات اليومية، والعلاقات الداخلية، والثقافة المؤسسية. وقبل أي شيء آخر، يجب أن يرتبط التغيير بغاية ومعنى واضحين يلامسان وجدان العاملين ويمنحونهم سببًا للاستمرار.
منهج تعيين في التحول
من خلال عملنا مع مؤسسات في القطاعين العام والخاص، صغنا نهجًا يرتكز على ثلاثة محاور أساسية:
- وضوح الغاية: التغيير لا يصبح ذا معنى إلا إذا ارتبط بهدف أوسع وأعمق، سواء كان ذلك تحقيق أثر مجتمعي ملموس، أو دعم المبادرات الوطنية الكبرى، أو الوصول إلى غايات مؤسسية تترك أثرًا حقيقيًا. وضوح الغاية يحوّل التغيير من عبء إلى فرصة.
- تمكين القدرات: الأدوات وحدها لا تكفي، فبدون بناء الثقة والمهارة لدى الأفراد، ستبقى أي عملية تنظيمية ناقصة. نحن نؤمن أن تمكين الفرق بالتدريب والتوجيه يمنحهم القدرة على تبني طرق عمل جديدة بروح من الاطمئنان لا القلق.
- ثقافة الانخراط: المشاركة الفعلية للموظفين ليست ترفًا، بل شرطًا أساسيًا للتحول الناجح. عندما يشعر الأفراد أنهم مسموعون ومقدَّرون ومشاركون في صنع القرار، يتحولون من متفرجين إلى روّاد تغيير.
لقد أثبتت تجاربنا أن الأطر والنماذج يمكن أن تكون دليلًا مفيدًا، لكن الاستدامة الحقيقية تنبع من الداخل، حيث يقتنع الموظفون والقادة معًا أن التغيير ليس مفروضًا عليهم، بل هو ملك لهم.
الإنسان في قلب التغيير
التغيير ليس مجرد عملية إدارية، بل هو تجربة وجودية تمس الإنسان في عمقه. فهو يختبر الهوية، يكسر الروتين، ويضع الأفراد أمام تحديات تتعلق بمناطق الراحة التي اعتادوا عليها. تجاهل هذه الأبعاد الإنسانية قد يؤدي إلى تقويض حتى أذكى الاستراتيجيات وأكثرها إحكامًا.
القادة الذين ينجحون في قيادة التحولات هم أولئك الذين يصغون بصدق، ويمارسون التعاطف، ويجعلون التغيير مرتبطًا بطموحات واقعية مشتركة. هؤلاء القادة لا يكتفون بفرض الخطط، بل يبنون رواية جامعة تُشرك الناس وتمنحهم إحساسًا بأنهم جزء من مسيرة أكبر من أنفسهم.
أخطاء متكررة في قيادة التغيير
رغم النوايا الحسنة، كثير من المؤسسات تقع في ثلاث مطبات رئيسية:
- التعامل مع التغيير كقائمة مهام: التركيز على الإجراءات دون ترسيخ القناعة الداخلية يجعل الجهود سطحية وسريعة التلاشي.
- فقدان الزخم: البدايات الحماسية تتبخر إذا لم يتم رعاية التغيير باستمرار.
- تجاهل البعد العاطفي: الخوف، القلق، أو المقاومة الصامتة إذا لم تُعالَج بوعي، تتحول إلى عوائق تعرقل التقدم.
دروس مستفادة من التجربة
من خلال عملنا مع مؤسسات مختلفة في القطاعين الحكومي والخاص، تكرّست لدينا قناعة راسخة: أن التحول المستدام لا يتحقق عبر الإعلانات الرنانة أو الخطابات الطموحة، بل عبر الحوارات الصادقة، والانتصارات الصغيرة، والنجاحات المتراكمة.
المدخلات الخارجية من خبرات واستشارات لها دور مهم، لكنها لا تكفي. القلب الحقيقي للتحول يبقى داخليًا، ينبع من قناعة القادة والتزامهم العملي، ومن قدرة الموظفين على المشاركة الفعلية. وعندما يقود القادة بالفعل لا بالقول، وتُمنح الفرق المساحة للتجريب والمبادرة، ويتجسد وضوح الغاية في كل خطوة، يتحول التغيير من عقبة إلى منصة انطلاق نحو مستقبل أكثر قوة ومرونة.
مستقبل القيادة والتحول
في عالم اليوم، لم يعد الغموض يساوي الفوضى، بل بات يُنظر إليه كإمكانية وفرصة. حين يُبنى التغيير على الغاية والتعاطف، يصبح محفزًا للإبداع ومصدرًا للمرونة المؤسسية.
في تعيين، نؤمن أن دورنا لا يقتصر على دعم المؤسسات في إدارة التغيير، بل نرافقها في صياغته وصناعته، لنمكّنها من أن تكون قادرة على التحكم في مسارها، لا مجرد التكيف مع الظروف. وهكذا، يصبح التغيير ليس مجرد تحدٍّ، بل وسيلة لإعادة رسم المستقبل.

بيان نخلة
الرئيس التنفيذي للعمليات ونائب الرئيس التنفيذي